بقلم /محمد المستكاوي
مقدمة :
ببساطة هذا هو ما حدث .. نعم كما تعرف يا ( فتلة ) كنت في السنة السابقة طالب بالصف الأول بكلية الحقوق ، نعم نعم أعلم أنني مازلت طالب في نفس السنة إلى الآن ، المهم أن أصدقائي الذين تعرفت عليهم في الكلية كثيرين منهم في نفس منطقتي ، ( سيد ) و ( أحمد ) و ( سلوى ) وكثيرين
وكنا تعتمد على بعضنا في المذاكرة _ أخر السنة طبعاً _ والمذكرات والكتب فكنا نستعير من بعضنا البعض كل ما يلزمنا
وكان لي صديق اسمه ( عبعزيز ) نعم فلا أحد ينطق حرف الدال ، المهم أننا كنا في شهر مايو وباقي على الامتحانات أيام وأول مادة لا أعلم عنها شيء سوى أنها تدرس بالجامعة
اتصلت بـأصدقائي وكلهم دلوني على أنهم قاموا بتصوير أوراق يحتفظ بها ( عبعزيز ) كملخصات ، ولكن أين يسكن ( عبعزيز ) فنحن لا نعرف منزله كل ما نعرفه أنه بقرب شارع ( الكركي )
اتصلت به ورحب بي جداً وعندما طلبت منه أن أتي الليلة عرفت أنه سيكون في مشوار وسيعود بسرعة بين الساعة التاسعة والعاشرة مساءاً فقلت له أنني سأكون تحت منزله الساعة العاشرة تماماً وكانت الوصفة قمة في السهولة بعد أن ادخل شارع الكركي علي أن أسير وأترك ( ... ) شوارع ثم أدخل في شارع جانبي على يساري في أوله سوبر ماركت وفي نهايته سأرى مجموعة عمارات قديمة هو العمارة الرابعة الدور الثالث
ستكون ليلة جميلة ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - ليلة شاعرية
ارتديت تي شيرت اسود اللون وسروال جينز ثم أخذت ( لحسة ) جيل لزوم الوسامة ونزلت من منزلي بسرعة وأنا أسير في الشوارع ، ظللت أسير ما يقرب من عشر دقائق حتى وصلت لشارع الكركي ودخلته
كان هادئاً جداً لا يسير الكثير من الناس فيه ولا أعلم لماذا برغم أن باقي شوارع شبرا الآن مليئة بالبشر ، وصلت إلى بداية الشارع الذي تقبع في أخره المنازل قديمة الطراز
هو قال رابع منزل ولكن لم يحدد لي أن أختار الرابع من أي إتجاة !!!!
إذن هي الفضيحة ، أخذت نفساً عميقاً ثم نظرت للأعلى و :
- << يا عبعزيييييييييييييييييييييييييييييييز ، يا عبعزيييييييييييييييييييييييز ، أنا صاحبك فرغلي >>
ظللت اصرخ هكذا لثوان وفجأة سمعت صوت من إحدى العمارات فنظرت فوجدت أنها العمار الرابعة بالفعل من جهة اليسار ، فتح أحدهم نافذة من الدور الثالث ، يبدو أنها فتاة وقالت لي بصوت خافض :
- << أنت صاحب عبد العزيز >>
- << لا .. أنا صاحب عبعزيز >>
أشارت لي أن أصعد فدخلت المنزل وصعدت حتى الطابق الثالث فوجدت شقتين
نظرت للشقتين بحيرة أيهم هي شقة ( عبعزيز ) ؟؟؟؟
انفتح باب إحدى الشقتين _ الباب الأيمن _ لتظهر نفس الفتاة التي ظهرت لي من النافذة وهي تبتسم قائلة :
- << أنا أخت ( عبد العزيز ) أتفضل لغاية ما يجيي من مشوار >>
لا أعرف ماذا أفعل هل أدخل أم أنتظر بالخارج ، كان قراري بعدما سمعت صوت شاب من الداخل يتكلم مع أحد
أفسحت لي الطريق لأدخل وفعلاً دخلت من باب الشقة
كما يقول بعض أصدقائي أنني ( هايف ) بسبب أن عيني تقع على الكثير من التفاصيل الغير مهمة وأدقق فيها ، لقد دخلت الشقة وأنا أتأمل بطرف عيني الأثاث وتقع عيني على الأشياء الغريبة مثل لماذا هناك نتيجة معلقة لعام (1999 ) ؟ أتذكر خالتي أنها تحتفظ بنتيجة خالية لعام ( 2003 ) كي لا ترميها لأنها تحتوي على لفظ الجلالة فربما كان احتفاظ ( عبعزيز ) بهذا عادي
سارت الفتاة أمامي وهي تقودني لغرفة الصالون على ما يبدو وفي طريقي مررت بالصالة التي لم تكن كبيرة ولكني سمعت أصوات مألوفة على أذني أعتقد أني كنت أسمعها في صغري
- << أتاري ؟؟؟؟ >>
نطقتها بدون قصد وأنا أنظر للطفل الذي جلس على الأرض وهو قريب من التليفزيون ويمسك بذراع تتصل بأتاري قديم كنا نسميه في صغرنا بأتاري ( ماريو ) حيث كانت الألعاب البدائية علية هي أحدث ما توصل له العلم
ضحكت الفتاة وهي مازالت تسير وتنظر لي بجانب وجهها :
- << كان الأتاري بتاعي وأنا صغيرة وفضلت محتفظة بيه علشان أخونا ( محمد ) بيحب يلعب بيه >>
ضحكت لها بمجاملة حتى توقفت هي وهي تفسح لي لكي أجلس في الصالون فجلست واختفت هي وحضرت مرة أخرى وجلست أمامي وهي تقدم لي كوب شاي _ متى أعددته ؟ يبدوا أنها كانت ستشربه قبل أن أتي _ وقدمته لي
تأملتها بعيني بنظرة خاطفة ، ترتدي ملابس منزل عادية وتعقص شعرها على شكل ( ذيل حصان ) ، بحق كانت جميلة
- << أنا أسف بس أنا كنت متفق مع ( عبعزيز ) أني أجي النهاردة وأصور مذكرات معاه ، هو هايتأخر ؟ >>
ابتسمت لي وكانت ستقول شيئاً ولكننا سمعنا صوت أجش ينهر أحد فنظرت لها مستفسراً فقالت لي :
- << دة الكهربائي بيكلم الصبي بتاعه ، أصلنا جناه علشان الكهربا عملت قفلة أكتر من مرة في العمارة وهو بقاله جوه حوالي ساعة بيحاول يوصل لكابلات معينه في حيطة المطبخ >>
قلت في بالي لذلك سمعت صوت الشاب يأتي من الداخل إذن يبدو أنه صبي الكهربائي ، قلت لها :
- << حضرتك أخت ( عبعزيز ) مش كدة ؟ >>
ابتسمت ابتسامة واسعة وهي تقول :
- << في الحقيقة أنا زي أخته ، اسمي ( شاهندة ) احنا اتربينا مع بعض من واحنا صغيرين وجيران من زمان >>
أثناء كلامها وقعت عيني على ساعة معلقة على الحائط ولكن عقاربها متوقفة عند الساعة التاسعة والنصف ، كانت الفتاة لاحظت نظرتي للساعة المعلقة فنظرت معي وقالت :
- << بتبص على إية ؟ >>
- << على الساعة دي ، واقفة عند الساعة 9 ونص ، ودلوقت الساعة حوالي 10 >>
نظرت لي بدهشة وهي تقول :
- << يانهار أبيض الساعة عدت 9 ونص >>
قالت تلك العبارة ثم نظرت بسرعة خلفها وصرخت في أحد ما في الصالة قائلة :
- << قوم يا حمادة بسرعة استعجل الكهربائي وقول له الساعة عدت 9 ونص >>
سألتها عن ما يحدث فقالت لي بابتسامة :
- << مفيش حاجة بس المفروض الشقة تولع الساعة 9 ونص >>
كنت أبتسم لها في المرة الأولى مجاملة ولكن ابتسامتي تحجرت على فمي وأنا أقول لها :
- << احم .. معلش ما سمعتش كويس هو انتي قولتي إية ؟ >>
فتحت فمها لتقول شيئاً ما لكن صوت الكهربائي الضخم أتى من الداخل وهو يقول :
- << المطبخ مش عايز يولع يا جماعة ، الحريقة هاتتأخر شوية >>
فنظرت الفتاة للصالة وهي ترفع صوتها قائلة :
- << طب يالا بسرعة علشان كدة احنا اتأخرنا عن كل يوم >>
تنحنحت وقلت لها مستفسراً :
- << هو الكهربائي اللي جوة دة بيحاول يولع في المطبخ ؟ >>
- << أة >>
- << يولع نار طبعاً >>
- << أة >>
- << وطالما هو كهربائي فهو هايولع عن طريق ماس كهربي >>
- << أكيد >>
- << الله ؟ هو أنا اللي عبيط وألا الكلام اللي أنا قولته دة عادي وألا إية بالظبط ؟؟؟؟؟ >>
هنا سمعت صوت فرقعة واهتزت الإضاءة ثم انطفأت فصرخت وأنا أقفز من مكاني :
- << يا ولاد المجنونة أنتوا بتولعوا في الشقة بجد !!!!!!!!!! >>
سمعت عندها صراخ والفتاة التي كانت تجلس أمامي ظلت تصرخ وأنا اسمع أصوات متداخلة ثم رأيت لون أحمر يخرج من الصالة يبدو أنه لهب نار .. ماذا أفعل ؟
رأيت على ضوء اللهب الفتاة تجري للصالة وهي تنادي على أمها بفزع فلم أكذب خبراً وجريت أنا الأخر وراءها وأنا أقول لنفسي لماذا تنادي الفتاة على أمها وتصرخ بهذا الشكل أليست تعلم بميعاد الحريق .. ثم كيف تعلم بميعاد حريق قبل بدأه وكيف يحدث هذا كل ليلة ؟؟
عندما خرجت الفتاة للصالة وأنا أتبعها رأيتها تجري ناحية المطبخ وأصوات صراخ تخرج منه ، وقفت في الصالة ثوان وأنا أفكر .. ماذا أفعل
الدخان يمتلأ الصالة لو لم نمت من الحريق سنموت من الاختناق .. لحظة !! الحريق بدأ من المطبخ ولو قلنا أنهم يستخدمون انبوب بوتاجاز أو حتى يستخدمون الغاز فذلك يعني انفجاراً سيتم في أي لحظة
فتحت باب الشقة بسرعة كي استنجد بأي أحد فقط لأجد بمجرد فتحي لباب الشقة رجل يقف على باب الشقة المقابل لي وبجانبه طفلان ينظران لي بخوف والرجل نفسه ينظر لي بدهشة وشك
- << فية حريقة في الشقة هنا الحقنا يا حاج >>
قلتها بلهفة فلم يتأثر الرجل وظل ينظر لي كأنه غير فاهم لكلماتي ، ثم قال بتساؤل :
- << انت دخلت الشقة دي إزاي ؟؟ >>
ارجعت رأسي للوراء بدهشة من سؤاله الغريب وفجأة انتبهت لشيء ، لقد خبتت أصوات الصراخ من الشقة ، كنت أقف على باب الشقة وأنا أمسك بابها المفتوح بيدي فنظرت ببطء خلفي لداخل الشقة لأجد ....
لا إضاءة داخل الشقة ولا يوجد ألسنه لهب ولا نيران ، ولكن على ضوء مصباح السلم رأيت الصالة وأثاثها الذي يشبه العجين ؟؟ نفس الأثاث الذي لاحظته منذ عند دخولي الشقة لكنه الآن في حال يرثى ليها فهو مليء بالتراب وأكثره يبدو أنه تحرض لحرق وهناك مقاعد خشبية تحولت لكتله وأشياء لا اعرف ما هي وخيوط عنكبوت تملأ الشقة من الداخل
نظرت ببطء مرة أخرى للرجل ثم نظرت مرة ثانية إلى الشقة .. بكل احترام وشموخ خرجت من الشقة وأنا أغلق الباب خلفي بعناية ثم أنظر للرجل الذي مازال ينظر لي بتساؤل ، وأنا أقول له بابتسامة :
- << ممكن استعمل الحمام يا حاج >>
***