تحية طيبة وبعد ... اخترت لكم قصة مفيدة من { قصص القرآن } ومن هذه القصص قصة {
صاحب الجنتين }
أرجو من الله أن يستفيد الجميع منها ...
* منح الله أحد الرجال مالاً وفيراً وأرضاً شاسعة تَجود بالخيرات , وكان لهذا الرجل ولدان
تختلف طباعُهما ,
وتتباين آراؤهما , فالأول كريم يحب الفقراء والمساكين , ويساعدهم كلما استطاع إلى ذلك سبيلاً , والثاني متعال
لا يساعد فقيرا أو محتاجاً , ويسخر من إقبال أخيه على المساكين والفقراء .
شبَ الولدان , وبلغا مبلغ الرجال وهما إلى جانب أبيهما يُساعدانه في إدارة الأعمال وجني الأرباح التي كانت
تُغلها الأرض وغيرها من أملاك أبيهما , وتمر الأيام , وتتوالى السنين , فتزداد ثروة الأب , وتصبح الأرض بساتين
تَجود بكل أنواع الثمار والخيرات , ويتقدم العمر بالأب , ثم يمرض ويموت مخلفاً لهذين الأخوين كل ما جناه في
حياته الطويلة , فيتقاسمان الميراث , ويستقل كل واحد عن الآخر , وينفرد بتدبير أمره .
ولم يكن بُدٌ من أن يترك اختلافهما في الطباع والآراء آثاراً واضحة قوية في تصرفات كل منهما , فقد كان الأول
يشعر بما يشعر به الفقير والمعدوم , أما الثاني فكان في كل يوم تُشرق عليه الشمس يَشتدُّ حرصاً على المال ,
وطمعاً في زيادته .
أَخذ الأول نصيبه من مال أبيه , فراح يبحث عن الفقراء والمساكين ليعطيهم مما أعطاه الله وأن الله أعطاه هذا
المال ليمتحنه فيه ويختبره , وعلى هذا النحو الذي ليس فيه تكلف أو تظاهرٌ مضى هذا الأخ في سيرته يُعينُ
المحتاج , ويعطي المحروم ويفك الأسير حتى لم يبق له من أمواله إلا ما يسدُّ حاجاته وحاجات أهل بيته .
أما أخوه فقد كان مُسرفاً في حب المال , والسعي وراء تكديسه , يسمع أنَّات المحرومين وأصوات الجائعين
والمحتاجين فيتجاهلهما , ولا يَحفلُ بها , فتكدست الأموال , وهو بها فرح , وازداد بطراً وتكبراً على الناس .
وكي يأخذه البطر والغرور بما هو فيه , انهالت عليه الأموال , فكدسها في خزائنه , ورزق أولاداً كثيرين زادوه
غروراً وتكبراً , وماكان هذا النعيم الذي غرق فيه ليغير شيئاً من طباعه , كانت معظم أموال هذا الأخ وثروته ,
تتدفق عليه من بساتين عظيمين , ومن بساتين الكروم , وقد جاد البستانان وما فيهما من زروعٍ بكل أنواع الثمر
والفواكه واضرب لهم مثلاً رجلين جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخيل وجعلنا بينهما زرعاً *
كلتا الجنتين آتت أُكلها ولم تظلم منه شيئاً وفجرنا خلالهما نهراً
:
وأراد هذا الأخ المتكبر أن يسخر من أخيه , فأخذه من يده , وأدخله إلى بستانه الذي ينصفه النهر , ونفسه تُنكر أن
تبيد جنته لطول أمله وتمادي غفلته , فيقينه بالله مزعزع غير راسخ , وقال لأخيه إن هذه الجنة لن تهلك ولن تفنى
ولن تتلف ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيراً منها
منقلباً
سمع أخوه المؤمن هذا الكلام , فوعظه : وقال له الله خلقك من نطفة وعدلك وكملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ
الرجال قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلاً فإذا كنت
كافراً بالله فإنني مؤمن موحد لكنا هو الله ربي ولا أشرك بربي أحداًولأنك كفرت بنعمة الله , ولم
تشكرها , التي اعتقدت أنها لا تبيد ولا تفنى , قادر على أن يذهب ماء جنتك , ويجعله غائراً في الأرض فيفنى
بستناك ولو لا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترنِ أنا أقل منك مالاً وولداً , فعسى ربي أن
يؤتيني خيراً من جنتك ويرسل عليها حسباناً من السماء فتصبح صعيداً زلقاً , أو يصبح ماؤها غوراً فلن نستطيع له
طلباً أسرف هذا الأخ في البخل وازدراء نعمة الله , وأسرف في إيثار نفسه وأولاده على كل شيء
,
وهذه الجنة التي كانت مَضرِبَ المثل في عظمتها وازدهارها , هذه الجنة التي حرم الفقراء والمحتاجون من
خيراتها ومالها , قد خوت من على عروشها محطمة مهشمة , وأصاب الهلاك كل ثمرها فلم يسلم منها شيء , وراح
صاحبها يضرب إحدى كفيه على الأخرى ندماً وتحسراً على الأموال التي أنفقها عليها , وتذكر نصح أخيه
وأحيط بثمره فأصبح يُقلب كفيه على ما أنفق فيها وهي خاوية على عروشها ويقول يا ليتني لم أشرك بربي
أحداً , ولم تكن له فئة ينصرونه من دون الله وماكان منتصراً , هنالك الولاية لله الحق هو خيرٌ ثواباً وخير عقباً
الأخوة والأخوات الأكارم المؤمنون لا يجمعون المال إلا لينفقوه على أصحاب الحقوق ,
وغيرهم يجمعون المال
ليكدسوه فهم لا يعرفون أن أموالهم حقاً معلوماً للسائل والمحروم , فحال الكافرين والمؤمنون كحال هذين
الرجلين .
[u]